فَضَائِلُ الحِجَابِ ومَثَالِبُ التّبَرّجِ
جعل الله تعالى حجاب المسلمة سمة بارزة ، وشعاراً ظاهراً ، من خلال تبرز شخصيتهاالمستقلة ، وكياناه الشريف ، وهي مؤشر صريح يبين حال مجتمعها ، ومن خلاله تُعرفكرامته ..
وحرصه على شرفه وعفافه ، ومدى تقيده بشرع ربّه الحكيم ، وبقدر تمسكه به تتجلى مجانبته صراط المغضوب عليهم والضالين .
وقد ظل أمر التمسك بالحجاب على الجادة ، مـذ فرض إلى منتصف القرن الماضي ، لا يشك في وجوبه أحد ، ولا يراه أحدٌ من المسلمين سبباً لتأخر ، أو إيذاء للنساء ، بل يرونه سبباً لصون المرأة عن كلَِ متعرضٍ لها بفساد ، وحماية لجماعة المسلمين من الفساد .
ولكن لما وفد من الغرب ما وفد ، من عاداتٍ قبيحة ، وتقاليد مشينة ، وانحلال خلقي ، وشذوذ سلوكي ، صادف في كثير من المسلمين ضعفاً ، وعن الدين بعداً ، وللقوي المتجبر خضوعاً ، وبالوافد المسيطر انبهاراً ؛ فخرجت على المسلمين صيحات ينادي بها أناسٌ من أبناء جلدتنا ، ينطقون بألسنتنا ، قلوبهم قلوب ذئاب ، قلوب ملأها الوافد بحبِّه ، وخرجها بفساده ، وعاث فيها بانحلاله ؛ استلم قيادتها ، فأطاعته خاضعة ذليلة ؛ وصارت تنادي بكل ما يريد ، وتخطب وده وإن كان باتباع كلّ شيطان مريد .
فأصبح المسلمون وصيحات التغريب تناديهم من هنا وهناك ، متزلزلة في نفوس جمهورهم كثير من ثوابتها ، حتى تبع من تبع منهم تلك الصيحات ، وصدق بعضهم أن الدين تقاليد وعادات ، وبعضهم لم يبق له إلا محيط يستحي من مخالفته ، وجماعة لا يجرؤ على الخروج عن نطاقها ، وبعضهم لم تعد لديه أدلة يطمئن إليها ، وبعضهم عاجز عن مقارعة الحجَّة بالحجّة !
(( فضائل الحجاب ومثالب التبرج ))
* يكفي المسلمة أن تعلم أنها بلبسها حجابها الشرعي تطيع الله عز وجل ، وتطيع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك سعادة الدارين ، والفوز العظيم الذي لا يعدله فوز ؛ قال تعالى [ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزأً عظيما ].
* والمسلمة بلبسها حجابها الشرعي تقف سداً منيعاً أمام الفتنة حتى لا تجد لها مقاماً وسط جماعة المسلمين ، الذين لا تتبرج نساؤهم ، وَتَرْكُهَا حجابها ، وتبرجها أمام الرجال الأجانب بسبب ظهور الفتنة ، لأنها بتبرجها تدعو إلى النظرة المسمومة ، وهي أول خطوة من خطوات إبليس في طريق الفساد ، الذي يسبب فساد المسلمين وهلاكهم .
* والمسلمة بلبسها حجابها الشرعي وإخفائها الزينة التي أمر الله بإخفائها عن الرجال الأجانب تكون حرةً ، كما أراد الله ، ولا تكون نهباً لكل ذئبٍ بشري ، يغرز أنياب نظراته في جسدها العاري طولاً وعرضاً ، وإن سنحت له فرصة صنع أكثر ، وهذه خطوات الشيطان ، التي يستزل بها من أطاعه ، وذلك أن نظرة الرجل تُنشيء في قلبه ميلاً إلى من أعجب بها ، ثم يتحول الميل إلى حب والحبُّ يجر إلى إدامة التفكير ، وعزماً على الوصال بمن تعلق قلبه بها ، وقد قيل شعراً :
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء
ومن المعلوم أن أنوثة المرأة رأسُ مالها ، وقيمتها التي تمكن فيها قوتها ، وكلما صانت المرأة أنوثتها عن الابتذال كلما زادت أنوثتها قوة ، وأنوثة المرأة لها مثل رجولة الرجل له ، فهو يعتز بهذه ، وهي تفتخر بتلك ، وكلما ابتذلت المرأة نفسها كلما نقصت أنوثتها ، وقلّ قدرها ، وكلما نقصت رجولة الرجل كلما قلّ قدره فهذه بهذه ، وتلك بتلك ، الكلُّ بـالكلّ ، والحصة بالحصة !
* والمسلمة بلبسها حجابها الشرعي وإخفائها زينتها ، لسان حالها يقول لكل رجل أجنبي : غض الطرف ، فلستُ لك ، ولستَ لي . إنِّي حرّة ، لا أستجدي عيناً نظرة ؛ فأنا أعلى من ذلك قدراً ، لكوني قد أعلنت للجميع طهري وعفافي ، وحريتي بلبسي لحجابي .
أما المتبرجة ، التي تبذلت بإظهار محاسنها للرجال الأجانب ، فمسكينة مسكينة ، لسان حالها يستجدي كل ذئب بشري ، ويترجاه : هل من نظرة ؟ هل .... وهل ... ؟ تستجدي هذا وذاك ، وتتهالك على عتباتِ نظراتهم ، علَّ أحدهم يجود عليها بنظرة !
فقولي لي _ بربك _ أي المرأتين حرّة مستقلة ؟ التي رفعت نفسها ، وتعالت بها عن هذا الإسفاف المقيت ، أم تلك التي ارتمت على أعتاب نظرات الرجال ؟
ولو أذن مجتمعٌ لنسائه بالخروج سافراتٍ متبرجات ، وأصبح كل رجل يسرح طرفه في أجساد النساء ، فهل ترضين أن يكون زوجك ذلك الرجل الذي يدخل البيت وقد تعلق قلبه امرأة متبرجة ؟ ملكت عليه فكره ، وَأَصبَحتْ أمام ناظريه وهو ينظر إليكِ ، ويقارن بينكِ وبينها ، والشيطان يعمل في تزين تلك المتبرجة في نفسه ، ويُجَمِّلها أكثر منك ؟
إن كلًّ ، سيقول : إنك لو علمت بما في نفسه لتحولتِ بركاناً من الغيرة ، ولأحرقتِ نارك مقومات الحياة الزوجية القائمة ، ولظللت كوال عمرك تخافين أن يكون زوجك على تلك الحال التي أغضبتك ، ولما استطعت التخلص من ذلك الهم مهما طالت الأيام ، وتعاقبت السنوات . والرجل كذلك ، بل أشدّ .
واعلمي ، بارك الله فيك ، أن الرجل عرضة للافتتان بالمتبرجات ، ولو كانت زوجته جميلة ، فكيف إذا لم تكن كذلك ؟
اعلمي _ أُخَيّة _ إن الحجاب الذي أمركِ الله به هو الذي يمنع نظرة الرجال إليك ، ولا يجعل قلوبهم تتعلق بك ، وإن وقعت نظرة بعد ذلك فلن يرى صاحبها ثياباً لا تفتنه ، وبذا يتحقق ما شرع من أجله الحجاب ، قال الله تعالى : [ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ] .
ومن تأمل النصوص الشرعية يجد أنها جعلت للحجاب ثلاث صفات ، لا بد من توافرها حتى يكون حجاباً مؤدياً للغرض الذي شرع له ؛ وهي :
أولاً : أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة .
ثانياً : أن لا يكون ملفتاً لنظر الرجال الأجانب .
ثالثاً : أن لا يكون فيه تشبه بمن نهى الله عز وجل المرأة عن التشبه بهم .
===========
صفات الحجاب الشرعي :
الصفة الأولى للحجاب :-
(( أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ))
وذلك أن الحجاب الذي يغطي المرأة ، ولا يبدو من خلاله شيء من بدنها ، يكون حاجزاً منيعاً عن تطلع الرجال إلى ما وراء ، لكونه قد قطع طريق التطلع إلى من أوله ، بخلاف اللباس الذي يغطي جزء من بدن المرأة ويظهر جزء آخر ، فإنّه لباس أدعى للفتة ، وسببُ تعلق قلوب الرجال بما وراء المستور من البدن ، وهذا معلوم لكل ذي فطرة سليمة ، ولا يجادل فيه إلا مكابر في بدهيات طبائع الرجال التي فطرهم الله عليها .
وهاكِ _ أختي الكريمة_ بعض الأدلة المطمئنة على وجوب حجاب المرأة المؤمنة :
* قول الله تعالى:[ يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً].
هذه الآية الكريمة نص جلي واضح على وجوب احتجاب النساء عن الرجال الأجانب ، بل في الآية بيان لطريقة لبس المرأة جلبابها حتى يغطي وجهها وجميع بدنها ، فلا يرى الناظر إليها إلا السواد.
قال السيوطي الشافعي ، رحمه الله : هذه آية الحجاب في حقِّ سائر النساء ، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن .
والجلباب : ثوب واسع يُلتحف به ، فيجلل جميع الجسد.
وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري ، رحمه الله : يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : يا أيُّها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين : لا تتشبهن بالإماء في لباسهنّ إذا هن خرجن من بيوتهنّ لحاجتهنّ ، فكشفن شعورهنّ ووجوههنّ . ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن ؛ لئلا يعرض لهن فاسق ، إذا علم أنهن حرائر ، بأذى من القول.
قالت أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنهما : لَمَّا نزلت هذه الآية [ يدنين عليهن من جلابيبهن ] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فيق رؤوسهن بالجلابيب ، يبدين عيناً واحدة .
وقد أجمع المفسرون على تفسير الآية بما فسرها به الصحابة رضي الله عنهم .
قال المودودي ، رحمه الله : كلُّ من يأمل كلمات الآية ن وما فسرها به أهل التفسير في جميع الأزمان بالاتفاق ، وما تعامل عليه الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، لم ير في الأمر مجالاً للجحود بأن المرأةَ قد أمرها الشرع الإسلامي بستر وجهها عن الأجانب ، وما زال العمل جارياً منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا اليوم .
ثانياً : قول الله تعالى [ وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ].
هذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب احتجاب النساء عن الرجال احتجاباً كاملاً ، وتسترهن عنهم تستراً لا يمكن للرجال من رؤية شيء من أجسادهن ، لأن الاحتجاب عن أعين الرجال سبب لطهارة قلوب الرجال والنساء ، وأبعد عن الانزلاق في أسباب الوقوع في الفواحش ، وفي هذا إشارة إلى أنّ السفور خبث ونجاسة ، وبضدها تتبين الأشياء .
وهل يشك عاقل أن أجمل ما تملكه المرأة وجهها ، فهو مجمع الحسن فيها ، والداعي إلى النظر إليها ، وهو أول ما يتطلع إليه الرجل منها ، وهو الذي تغنى بحسنه الشعراء والأدباء ، إذ فيه العينان ، وهما بريدا النظر ، والشفتان والوجنتان والأنف ، وغيرها من محاسن المرأة الداعية لتعلق الرجل بها ، فكيف يقول قائل بعد ذلك : إن المرأة يجب عليها ستر ساعدها ورقبتها وشعرها ويجوز لها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب ؟
واعلمي _ أخية _ أن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استفاضت قولاً وفعلاً وتقريراً في بيان أمر المسلمة بغطاء وجهها إذا برزت للرجال أجانب .
-إليك أختي المسلمة :
بعض الأحاديث الصحيحة التي بينت هذا الحكم بياناً شافياً :
* فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه .
* وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، في قصة الإفك ، قالت : فينا أنا جالسة غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن معطل من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فعرفني حين رآني ، وكان رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت _ غطيت _ وجهي بجلبابي .
والحديث دليل على أن الحجاب الذي شرعه الله ، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعرفته الصحابيات رضي الله عنهن ، هو تغطية الوجه ، لذلك لما سقط الحجاب عن وجهها بسبب النوم غطته ، وبيّنت أن سبب معرفته لها أنّه سبق له أن رآها قبل أن يفرض الله الحجاب .
* وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [[ المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ]].
وهذا الحديث يدل على أن جميع أجزاء جسد المرأة عورة في حق الرجال الأجانب .
* وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها ، فقال : [[ اذهب فانظر إليها ، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما ]] قال : فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها ، وأخبرتهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهما كرها ذلك ، قال : فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها ، فقالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر ، وإلا فإني أنشدك ! كأنها أعظمت ذلك عليه ، قال : فنظرت إليها فتزوجتها .
فانظري ، رعاك الله ، إلى هذا الحديث العظيم الذي يصور لنا حال مجتمع الطهر والعفاف ، المجتمع الذي رُبي على عين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف يعجز الرجل أن يرى المرأة حتى يستأذن والديها ، ويخبرهما بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك كرها أن يطلع على ابنتهما ، وفي النهاية يوافقون إطاعة لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن ناشدته بالله أن يكون صادقاً .
ولو كانت المرأة تخرج كاشفة عن وجهها ، لما احتاج المغيرة رضي الله عنه أن يستأذن والديها في رؤيتها ، ولقال أراها إذا خرجت . ولو كان النساء يخرجن سافرات عن وجوههن لما كره والدها رؤيته لها ، ولما احتاجت أن تنشده بالله على صدقه حتى تكشف وجهها أمامه .
ثم هاك _ أختي الكريمة _ أقوال فقهاء المذاهب الأربعة في حكم تغطية وجه المرأة : اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على وجوب ستر المرأة وجهها إذا برزت أمام الرجال الأجانب .
الحنفية :
يرى الحنفية أن المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أما الرجال الأجانب ، لأن كشفه مظنة الفتنة :
* قال الجصاص : المرأة الشابة[ أي غير العجوز ] مأمورة بستر وجهها من الأجنبي ، وإظهار الستر والعفاف عند الخرج ، لئلا يطمع أهل الريب فيها .
* وقال شمس الأئمة السرخسي : حرمة النظر لأجل الفتنة ، وخوف الفتنة في النظر إلى وجهها ، وعامة محاسنها في وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء .
المالكية :
* قال أبو بكر بن العربي ، والقرطبي : المرأة لها عورة ، بدنها وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة ، كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عمَّا يعنّ ويعرض عندها .
* وقال أبو علي المشدالي : إن من كانت له زوجة تخرج وتتصرف في حوائجها بادية الأطراف ، لا تجوز إمامته ، ولا تقبل شهادته ، و لا يحل أن يعطى له الزكاة إن احتاج إليها ، وإنه لم يزل في غضب من الله ما دام مصراً على ذلك .
الشافعية :
يرون أنه لا يجوز لها كشف وجهها ، سواء خُشيت الفتنة أم لا ، لأن الكشف مظنة الفتنة :
* قال إمام الحرمين الجويني : اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه ، لأن النظر مظنة الفتنة ، وهو محرك للشهوة ، فاللائق بمحاسن الشرع سدُّ الباب فيه ، والإعراض عن تفاصيل الأحوال .
* وقال ابن رسلان : اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات عن الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساق .
* وقال ابن حجر : استمر العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منقبات ، لئلا يراهن الرجال على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه ، والنساء يخرجن منقبات .
الحنابلة :
* قال الإمام أحمد : ظفر المرأة عورة ، فإذا خرجت من بيتها فلا تُبِن منها شيئاً ولا خفها .
الأدلة العقلية:
وإن الناظر فيما يحدثه السفور _ في المجتمعات التي تسفر نساؤهم عن وجوههن _ يدرك تماماً أن الشرع لا يمكن أن يأذن به ، والأمور تقاس بآثارها ومقتضياتها لا بالرغبات وضغوط المجتمعات ، وآثار ومقتضيات السفور ما ذكرنا من حصول الفتن ، التي لا يجادل فيها صاحب إدراك لواقع الحال ، وإنصاف يبتغي به الحق .
وإذا قيل : فلانة جميلة ! فإن أول ما يبادر إلى الذهن جمال وجهها ، لأن الوجه مجمع جمال المرأة أول ما ينظر إليه فيها وجهها ن وما عداه فتبع له ، فتبين بهذا أن وجه المرأة هو موضع الجمال طلباً وخبراً .
وإذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ، فكيف ينسب إلى الشارع الحكيم أمر المرأة بستر شعرها وقدمها ، والإذن لها بكشف مكمن جمالها ، وهو وجهها ؟ إن هذا ما لا يتصور !
(( أول من كشفت وجهها))
ظل أمر الحجاب في العالم الإسلامي على الجادة ، وما يعرف عن نساء المسلمين خروج أمام الرجال كاشفات عن وجوههن .
ولكن ما إن أطل المستعمر المغتصب بجيوشه حتى بدأ التحول ، وكان مع دخول حملة نابليون الجنود المستعمرين ، وفي معيتهم نساء فرنساويات قد ركبن الخيل والبغال ، حاسرات عن وجوههن ، فهال الناس ذلك ، حيث لم يعهد أن تمشي نساء كاشفات ، كما ذكر الجبرتي في تاريخه.
وفي عام 1919م. خرج أول الداعيات لكشف الوجه في بلاد المسلمين ، وثار المجتمع المسلم ، وتحرك الشعراء والأدباء والعلماء يردون على هذه الدعوة ، ويستهجون القائمين عليها، ويحذرون المجتمع المسلم من ويلاتها ، وألفت في ذلك كتب ، ونشرت مقالات ، ودبجت قصائد ، ولكن لم تلبث ردة الفعل تلك أن ضعفت ، وتلاشت قوتها ، وكممت أفواه الصادقين من أهلها ، ومُكِّن للداعين إلى التبرج والسفور بقوة السلطة حتى غدا الداعي إلى الحجاب غريباً ، والمحذر من التبرج متأخراً ، والمقلد للمستعمر متقدماً .
وانتهت المعركة بعد بضع سنوات ، وما كان بين كشف الوجوه وبين خروج النساء على الشواطئ عاريات إلا بضع سنوات ، واللبيب من اتعظ بغيره !
يقول محمد فريد وجدي في دائرة المعارف : إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين ، فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب ، كما فعلت المرأة الأوربية ، التي بلغت بها حالت التبذل درجة ضج منها الأوربيون أنفسهم .
والسعيد من اتعظ بغيره !
===========
الصفة الثانية للحجاب :-
((أن لا يكون ملفتاً لنظر الرجال الأجانب))
ويكون غير ملفت لنظرهم بأمور ؛ وهي :
1_ أن يكون صفيقاً ( سميكاً) لا يشف عما تحته .
2_ أن يكون واسعاً ، لا يجسد أعضاء المرأة .
3_ أن لا يكون زينة في نفسه ، بل يكون ذا لون غير مثير ، لا يجذب نظر الرجال .
4_ أن لا يكون الحجاب من ثياب الشهرة التي تلفت الأنظار إليها .
5_ أن لا يكون الحجاب مبخراً أو مطيباً : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية ، وكل عين زانية )) .
===========
الصفة الثالث للحجاب :-
((أن لا يكون فيه تشبه بمن نهى الله عن التشبه بهم ))
كأن تتشبه المسلمة بالكافرات والفاجرات .
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) .
أو تتشبه بالرجال بلبس لباس يخصهم ، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة تلبس لبسة الرجل .
وبتحقيق هذه الصفات الثلاثة يكون الحجاب حجاباً إسلامياً ، كما أراد الله عز وجل .
=========
وفي الختام أختي المسلمة :
إن المرأة المسلمة عندما تجهل السبب الذي من أجله تحجبت عن الرجال الأجانب ، ويتحول حجابها إلى عادة مجردة ، لا تقصد به طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
نجدها تبدأ في التلاعب في غطائها ، وتروغ عن الحجاب الساتر بمراوغات شتى ، إمّا بتقليل طبقات خمارها ، أو بإظهار عينيها ، بحجة التبرقع ، ثم تزيح الخمار عن العينين ، ليشمل المحاجر ، ثم ليشمل أجزاء من الوجنتين ، والجبهة والأنف ، وقد يصبح خماراً أشد فتنة ، وهذا يجر إلى السفور ، ثم يأتي ما وراء السفور ، من كشف الرأس والعنق والنحر ، ثم تنسلخ من الحجاب انسلاخاً .
وهكذا الحال مع كل من اتبع خطوات الشيطان ، فإنه لا يتركه حتى ينتهي به إلى الشر الذي ما كان يظن أنه سيصل إليه ، ولكن يهون الوقوع في كل خطوة ؛ الخطوة التي بعدها حتى يجد الإنسان نفسه مكبلآً بأغلال إبليس .
قال الله تعالى :
( يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ).
__________________