السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المــــــــــــــادة والــــــــــــــــــذرة
المادة هي كل جسم يتألف من ترابط أعداد هائلة من الذرات , له أبعاد فراغية وحالة فيزيائية معينة ( صلبة , سائلة , غازية , بلاسمية) , يحتل حيزاً من الفراغ , يتمتع حكماً بوزن وكثافة وحجم وكتلة وما إلى ذلك من المعايير الفيزيائية التي تميز المواد , وتخضع هذه المواد بحكم عطالتها لقوانين الطبيعة كالجاذبية الأرضية وقوانين الحركة والإحتكاك , وخاصية التـحولات الفــيزيائيــة الترموديناميكية( الحرارية ) بين حالات المادة المذكورة أعلاه , وكذلك فإن معظم المواد لها قابلية الدخول في التفاعلات الكيميائية فيما بينها لتشكيل مركبات جديدة .
وقد كشفت الفيزياء الحديثة الطبقات الأعمق للتركيب في المادة العادية , حيث تبين أن الــــــــمادة مركبة من جسيمات بالغة الصـغر دعيت بالذرات , والذرات بدورها مكونة من نوى صغيرة تحيط بها غيمة من الجسيمات الأصغر دعيت بالإلكترونات , والنوى مكونة كذلك من جسيمات أصغر هي البروتونات والنيترونات والذي كان يُعتقد بأنها أصغر الجســــــــيمات الذرية واستمر هذا الإعتقاد حتى أواخر القرن الماضي حيث تبين أن البروتونات والنيترونات تتألف من جســـــــيمات أصغر دعيت ( الكواركات) , وقد سبق وقدمت مشاركة في هذا المنتدى الكريم بموضوع بعض المفاهيم حول الجسيمات الأولية بينت فيه بشكل من التفصيل عن الكواركات .
تعريف الذرة وبنيتها ( THE ATOM ) :
أطلق الفلاسفة اليونان على القطعة الصغيرة جداً من المادة والتي لا يمكن تقسيمها إلى ما هو أصغر منها اســــم ( الذرة Atom أي الذي لا يتجزأ ) . وتتضمن الذرة بنية معقدة , حيث يوجد في مركز الذرة النواة ذات الكثافة العالية جداً والمؤلفة من البروتونات والنيترونات , وتحمل النواة شحنة موجبة وتدور حولها الإلكترونات بسرعة فائقة وتحمل هذه الإلكترونات الشحنات السالبة وهي خفيفة الوزن مقارنة مع النواة , مشكلة غمامة إلكترونية حوله .
الإلكترون ( Electron ) : و يرمز له بالحرف eˉ
وهو أحد أهم دقائق الذرة , عبارة عن جسيم ذري يحمل شحنة كهربائية سالبة تعتبر واحدة الشحن الســـالبة وتأخذ
( القيمة ـ 1) وتساوي ـ 1.6 × 10أس -19 كولون وكتلته تســاوي 9.11 × 10 أس - 28 غ .
ويقوم الإلكترون بدورانين , فهو يدور في مدارات معقدة حول النواة بسرعة الضوء تقريبا ً والمقدرة بـ 300ألف كم / ثا ضمن أحد مستويات الطاقة المختلفة للذرة. وفي نفس الوقت يدور حول نفسه باتجاه دوران يعاكس اتجاه دوران الإلكترون الثاني على المدار نفسه , ويحدد الإلكــــــترون الخواص الكيميائية والفيزيائية للعنصر.
البروتون ( Proton ) : و يرمز له بالحرف P
وهو جسيم ذري يحمل شحنة كهربائية موجبة وهي تساوي بالقيمة المطلقة شحنة الإلكترون وتعاكســـــها بالإشارة .
وقد أمكن حساب كتلة البروتون ووجد أنها تساوي 1.6 × 10 أس - 24 غ , وهذه القيمة أكبر بـ 1836 مرة من كتلة الإلكترون وهي تتوضع في مركز الذرة وتشكل ما يســـــــــــمى النواة حيث يحدد البروتون نوع العنصر من خلال العدد الذري والذي يعني عدد البروتونات .
النيوترون ( Neutron ): و يرمز له بالحرف n
وهو جسيم ذري معتدل الشحنة ( غير مشحون كهربائياً ) له كتلة ذرية تعادل كتلة البروتون وهو يـــدخل بتركيب النواة إلى جانب البروتون وقد أمكن فهم فكرة النظائر للعناصر ( Esotops ) بعد اكتشــــــــافه , مما سبق نلاحظ أن وزن الذرة يتركز في نواتها تقريباً , حيث لا يتجاوز مجموع وزن الإلكترونات 0.05 % من مجمل وزن الذرة , لذا تكون كثافة المادة النووية عالية جداً , وتدل هذه الكثافة العالية للمادة النووية على الطاقة الهائلة للقوى النووية الداخلية .
ولكي نعطي فكرة ملموسة عن بنية الذرة , سنلجأ إلى قلب الأبعاد , ونتصور أن للذرة حجــــــماً يعادل حجم الكرة الأرضية فيكون حجم الإلكترون بحجم كرة القدم , ويكون للنواة في هذه الحالة حجــــــــم كرة قطرها 130 م وتقع تماماً في مركز الكرة الأرضية , أما مابين النواة والإلكترون ففراغ تام يزيد قطـــره على 10.000 كم وأما وزن هذه النواة فيبلغ عندئذ 114 مليون طن لكل سنتمتر مكعب .
أ ـ القوى التي تؤثر على الإلكترون في الذرة هي :
1ـ قوى التجاذب الكهرساكنة ما بين النواة ذات الشحنة الموجبة والإلكترونات السالبة .
2ـ القوة النــــــــــابذة الناتجة عن دوران الإلكترون في مداره حول النــــــــــــــــواة .
ويجب أن تتساوى قوى التجاذب الكهربائي مع القوة النابذة لكي يدور الإلكترون بثبات في مداره , كذلك فإن عدد الإلكترونات يساوي حتماً عدد البروتونات الموجودة في نواة الذرة , ولهذا تكون الذرة في مجموعها متعادلة كهربائياً وتسبح هذه الإلكترونات حول النواة بطريقة منتظمة تحكمها قواعد معينة تبين أنها تحتل مدارات ذات أشكال معقدة .
ولا يمكن رسم هذه المدارات على هيئة دوائر أو أشكال إهليلجية حول النواة كما تصورها معظم الكتب والمراجع وما هذا إلا تبسيط مبالغ فيه ويعطي انطباعاً غير حقيقي عن توزيع الإلكترونات حول النواة وإمعاناً في التبسيط يحلو للبعض تشبيه الذرة بالمجموعة الشمسية , فيشبهون النواة بالشمس ويشبهون الإلكترونات بالكواكب التي تدور حولها , إلا أن هذا التشبيه أمر ظاهري فقط ويعطي انطباعاً زائفاً عن التركيب الحقيقي للذرة .
فمن المعروف أن القوانين التي تحكم الكواكب في المجموعة الشمسية هي قوانين الحركة التي وضعها ( نيوتن ) وقوانين النسبية التي وضعها ( اينشتاين ) وهذه القوانين تحكم الأجرام الكبيرة في الكون و من خلالها يمكننا تحديد حركة هذه الأجرام وتحديد مكان هذه الأجرام في أي لحظة مستقبلية .
أما إذا نزلنا إلى عالم الذرة وهو العالم المتناهي في الصغر فإن هذه القوانين لا يمكنها أن تفسر حركة الجسيمات الذرية ولكنها تخضع إلى قوانين أخرى تجمعها نظرية واحدة تسمى ( نظرية الكم Quantum theory) التي وضع أساسها العالم الفيزيائي ( ماكس بـــلانك ) وأضاف إليــــها كل من العـــالمين الأســــــتراليين ( هيزنبيرغ ) و(شرودينغر) في معادلاتهما المعقدة التي تصف حركة الإلكترونات حول النواة , والتي تبين أنه لا يمكن تحديد موقع الإلكترون داخل مداره بصورة مؤكدة ولكن يمكن تحديد احتمالية وجود الإلكترون في نقطة محددة بنسبة مئوية .
بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الجسيمات الذرية لها طبيعة مزدوجة لا زالت تحير علماء الفيزياء النووية , فهذه الجسيمات تظهر في ظروف معينة على هيئة جسيمات مادية وفي ظروف أخرى تبدو لها طبيعة موجية ( أي تتصرف على أنها موجات مثل موجات الضوء أو أشعة إكس ) . وهو مـا دعي بعلم ( الميكانيك الكوانتي ) , الذي فســّر الطبيعة المادية الموجية لهذه الجسيمات الذرية.
حيث قدم العالم الأسترالي ( شرودينغر ) النموذج الذري الحديث والذي دعي ( الميكانيك الكوانتي ) وذلك في عام 1925 حيث قال إن كل أشكال المادة تبدي طبيعة موجية
وتحدث زيادة طاقة الإلكترون عندما تتلقى الذرة طاقة على شــــكل فوتونات ( ضوء ـ حرارة ) فإنها تمتص هذه الطاقة وعندها يقفز أحد الإلكترونات من مداره إلى مدار ذي مســـــتوى طاقي أعلى وتصبح الذرة مثارة , لا تلبث بعدها أن تُصدر هذه الطاقة على شكل فوتونات عندما يقفز الإلكــــــترون عائداً إلى المدار ذي ســـــــوية الطاقة الأخفض .
وبهذه الخاصية يمكن تفسير إضاءة مصابيح الإنارة بأنواعها وكذلك توهج المعادن لدى تســــــــــــخينها
فكلما ازدادت درجة التسخين كلما ابتعد الإلكترون أكثر عن نواته وضعف بالتالي ارتباطه بها , وقد يؤدي التسخين الشديد ( بضعة ملايين من الدرجات المئوية ) لذرة العنصر إلى تعرية النواة تماماً عن كل إلكتروناتها فتصبح المادة مكونة من أنوية حرة ذات شحنة موجبة وإلكترونات سالبة سابحة على غير هدى ولا تنتمي إلى أي نواة معينة وفي هذه الحالة يقال إن المادة قد وصلت إلى حالة البلاسما ( Plasma State ) . وقد حدثت هذه الحالة في أجزاء الثانية الأولى للإنفجار الكوني العظيم المسمى ( Big-Bang ) و تحدث في باطن الشمس و في مركز الإنفجار النووي الإنشطاري أو الإندماجي , وحديثاً يتم استخدام حالة البلاسما صناعياً لأغراض مختلفة .
ب ـ القوى التي تؤثر في النواة فتتجلى بـ :
1 ـ قوى الترابط النيوكليوني مابين البروتونات مع بعضها من جهة ومع النيترونات من جهة أخرى
2 ـ قوى التنافر للشـــــــــــــــــــــــــحنات المتماثلة للبروتونات
تشكل نواة الذرة جملة متينة ومتراصة للغاية , وتعود هذه المتانة إلى تأثير القوى النووية الخاصة , وهذه القوى بالتعريف : هي قوى التجاذب المؤثرة بين أي زوج نيوكليوني ( P-P , n-n , n-P ) بغض النظر عن شحنة النيوكليونات .
وهذه القوى هي التي تكسب الأزواج النيوكليونية تماسكاً داخل النواة , ولا يظهر تأثيرها إلا على مسافات قصيرة جداً , إذ يبلغ نصف قطر تأثير 10 أس - 13 سم ( قطر النواة 10 أس - 12 حتى 10 أس - 13 سم )
وتتميز هذه القوى بالإشباع , فلا يتأثر أو يؤثر النيوكليون إلا بعدد محدود من النيوكليونات المجاورة ولهذا فإن زيادة عدد النيوكليونات في النواة لا يؤدي إلى زيادة المتانة النووية , وفي الوقت نفسه تقع النيوكليونات تحت تأثير قوى التدافع الكهرساكني التي تحدث بين النيوكليونات المتماثلة الشحنة ( البروتونات ) , وتزيد قوى التجاذب النووي بين بروتونين عن قوى التدافع الكهرساكني بينهما بمقدار 1000 مرة .
من هنا نستخلص أنه في حال وجود عدد قليل من البروتونات في النواة فإن تأثير قوى التدافع على متانة النواة يكون معدوماً , وعلى العكس من القوى النووية فإن القوى الكهربائية الساكنة تؤثر على مسافات بعيدة , فإذا كانت القوى النووية تتناقص بازدياد المسافة مرفوعة للقوة السادسة ( ف6 ) , فإن القوى الكهربائية تتناقص بازدياد مربع المسافة ( ف2) , وعدا عن ذلك فإن هذه القوى الكهربائية الساكنة غير مهيأة للإشباع , أي أن كل بروتون يؤثر ويتأثر بكل بروتونات النواة .
وتتقارب قوى التدافع الإلكتروستاتيكي بقيمها من قوى الترابط النووي في النوى الثقيلة ( حيث توجد كمية كبيرة من البروتونات ) وهذا ما يضعف متانة البناء النووي , ولكن إذا زاد عدد البروتونات عن 115 ( كعدد ذري ) فإن قوى التدافع الكهرساكني سوف تتغلب على قوى الترابط النيوكليوني ( التجاذب ) وسوف تنهار هذه النواة عندها ولذلك فإن نوى مثل هذه الذرات تكون غير مستقرة على الإطلاق ولايمكن أن تتواجد في الطبيعة , وهذا يدل على أن تأثير القوى الكهربائية على متانة النواة يضع حداً نهائياً لعدد العناصر الكيميائية في الطبيعة أو حتى تلك التي يمكن تشكيلها معملياًً بواسطة التفاعلات النووية .
ـ نموذج النواة الذرية :
ماهية طبيعة القوى النووية , وأين تتوضع النيوكليونات , وماهية سلوكها ضمن النواة ؟
لم يوجد حتى الآن نموذج موحد يفسر كل خصائص النواة , ولذا يلجأ لتمثيل النواة بعدة نماذج وكل منها يعلل سلوكاً معيناً لهذه النواة , إلا أن أبسط هذه النماذج وأكثرها وضوحاً هو نموذج ( قطرة السائل ) الذي اقترحه الفيزيائي الروسي ( فرينكل ) والعالم الدنمركي ( بور ) وحسب هذا النموذج يمكن تصور النواة على شكل قطرة من سائل خاص يدعى ( السائل النووي ) جزيئاته عبارة عن النيوكليونات , ولهذا السائل كثافة هائلة ( أكثر من 100 ألف ) , أما سلوك النيوكليونات في هذا السائل فيشبه سلوك الجزيئات في السائل العادي , أي أن النيوكليونات تتحرك فيه بشكل عشوائي مصطدماً بعضها ببعض .
وتختلف حجوم قطرات هذا السائل النووي باختلاف العنصر الكيميائي , وينطبق هذا النموذج على النوى الثقيلة والوسطية , وفد بُرهن على صحة هذا النموذج رياضياً وهو يعطي تفسيراً جيداً للظواهر التالية : استقرار النواة التفاعلات النووية , ميكانيكية انشطار النوى الثقيلة وغيرها من الظواهر .
ومن النماذج البسيطة المقترحة للنواة أيضاً النموذج الغلافي ( الطبقي ) للنواة , حيث تتسع كل طبقة لعدد محدد من النيوكليونات , وينطبق هذا النموذج على النوى الخفيفة .
وبالإضافة إلى هذه النماذج توجد نماذج أخرى أكثر تعقيداً , وإن دل تعدد هذه النماذج على شيء فإنما يدل على أن كثيراً من المعلومات عن بناء النواة مازال مجهولاً .
وفي الختام السلام