لماذا نحب هذا الرجل؟
تدفقت الجماهير على طول عدة كيلومترات لاستقبال الرجل الكبير بإنسانيته وأبوته، وهي استجابة لم تأت بها قوى الأمن والدوائر الأخرى عندما تشحن الطلبة والجنود والموظفين بحافلاتٍ بدعوى التواصل الشعبي مع الحاكم، بل إن ما حدث يوم أول من أمس كان لحظة تاريخية لشعب خرج بدوافع الحب غير المزيف لاستقبال القائد، وهو تعبير تلقائي، ولعل بناء جسور الحب لا يأتي سهلاً ما لم يكن التواصل بالعواطف قائماً على الثقة ومبادئ الولاء..
الملك عبدالله ظاهرة فريدة في الزعامة، فلم يتلوّن، أو ينخدع بالفلسفة السياسية الميكافيلية، ولم يتراجع أمام التزامات وطنه، لكنه رجل سلام وتوافق وانفتاح على الشعوب بثقافاتها وعقائدها، ولذلك حاورَ وخاطبَ مختلف التيارات لإيمانه أن الإنسان، بتكوينه، فاضل، وقد ظل في مسيرته رجل مواقف استحق عليها احترام قيادات وشعوب عديدة..
أما صفاته داخل بلده فهي بصمة حملت كل الصفات التي تتوفر للقائد الصادق، فكل مكان يعرف أنه بحاجته يذهب إليه، أحياء الفقراء، المرضى، يستقبل في مكتبه وبيته مختلف طبقات المجتمع، يسمع منهم مباشرة دون وسطاء، وهذا الثراء بالارتباط بالمواطنين وضعه على قمة الاحترام والتقدير والحب اللامتناهي..
الليالي الفائتة، شهدت تعبيرات غير مسبوقة من الشباب والشابات، احتفالات في الشوارع، ولقاءات عائلية في الساحات والحدائق، وصوراً على السيارات وأعلاماً يحملها الأطفال، وسيلاً جارفاً من جموع المواطنين في كل زاوية من مدن وقرى وبوادي هذا الوطن، ترحب بعودة الإنسان الكبير في مشاعره وعواطفه وإنسانيته..
ومثل النادر من الزعماء التاريخيين، قاد أسلوباً سياسياً رفيعاً، وضع بلاده في القائمة التي تستحقها، فكل الزعماء الذين التقاهم، فاجأهم ببساطته وصراحته، والتزامه أخلاق العربي المؤمن في طرح قضايا وطنه وأمته بصدق متناه، رفض الإذعان لمصالحة إسرائيل إلا بتحقيق سلام وفق القرارات الدولية، ولم يكن شحيحاً أمام العطايا والمساعدات والقروض لأنه مؤمن أن العمل الإنساني هو خصوصية عربية وإسلامية، ولم يذهب لأي دولة كبرى يستجدي القروض والمنح المذلة أو التنازلات السياسية، بل كان ندّاً ودبلوماسياً يعرف متى يتحرك، ومتى يرفض إذا ما جاءت المواقف معاكسة لمبادئه، وهذا التوازن والثبات على المواقف، ومراعاة كل ظرف، جعلت للمملكة ميزاناً كبيراً في الدوائر الدولية كلها..
خادم الحرمين الشريفين رائد في تطلعاته الوطنية، ومؤسس لمدرسة قيادية بمثلها وشرف كلمتها ولذلك جاء الحب ومعه العطاء..