ليست المسألة كم تحبّ الشخص حين تحبّه
و إنّما كم تحبّه حين تكرهه
كلّما اتّسعت القطيعة تحوّل الحبّ إلى ضرب من المنازلة العاطفيّة الموجعة.
كلّ واحد يريد من خلالها ليّ ذراع الثاني مراهنًا على أنّ الآخر لا بدّ أن تهزمه الأشواق و استبداد العادات العاطفيّة المشتركة و الذكريات.
و أنّه حتمًا أوّل من سينهار و يرفع السماعة أو يرسل رسالة هاتفيّة. لكن غالبًا ما ينقلب السحر على العاشق. و بدل أن يقرّب
البعاد المحبّين.. يفرّقهم نهائيًّا عندما يتجاوز الانفصال الأيام و الأسابيع إلى الأشهر. و يبدأ عندها كلّ واحد في التشكيك في عواطف الآخر من أساسها.
و ينوب عن شوقه إليه حقده عليه. فالغيرة تأخذ هنا مجدها و توسوس لكلّ واحد بما يزيد من عناده و يشوّه صورة
الآخر في قلبه و يملؤه ندمًا على ما ضاع سدًى من عمره.
و تغدو لا رغبة لكلّ واحد إلّا بالانتقام لكرامته العاطفيّة، كلّ حسب قناعاته و أخلاقه و إمكانياته. و ما يرى فيه الردّ الأكثر
إيلامًا للآخر. لعبة غبيّة و ساديّة قد يمتد دمارها إلى سنوات عدّة حسب عمق العلاقة و عمرها.
إنّه حبّ مدفوع إلى أقصاه حدّ الدمار المشترك كنوع من التوحد في التشظّي على طريقة كامل الشناوي:
" حطّمتني مثلما حطّمتها فهي منّي و أنا منها شظايا ".
هكذا حبّ لا يليق بغير النفوس المريضة. لقد وُجِدَ الحبّ لنتحدّى به العالم لا لنتحدّى به من نحبّ، و وُجِدَ ليبني و
يجمّل و يسند، لا ليهدّ و يبشّع و يدمّر. في الواقع كان يكفي كلمة واحدة. كان يكفي رنّة هاتف و صوت يباغتك يقول "
إشتقتك "، " ما نسيتك "، " أحتاجك ". لكن لا هاتف يدقّ و الحبّ الذي ولد وسط شلالات الكلمات الجميلة... يموت
لأنّ كلمة واحدة تنقصه !
كلمة , بل دقة , مجرد دقة هاتفية , عن تحدّ بخل بها كلّ عاشق على الآخر. متناسيًا تلك الدقّة التي قد تأتيّ في أيّة لحظة
لتفرقهما إلى الأبد.. دقّة الموت.
* * *
في كلّ مرة تنسى إنّما هو الموت ما تتذكّر و أنت تنسى